كتاب: تحفة المحتاج بشرح المنهاج

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تحفة المحتاج بشرح المنهاج



الشَّرْحُ:
(قَوْلُهُ: وَجَبَ قَضَاؤُهَا عَلَى الْوَجْهِ) لَمْ يُبَيِّنْ حُكْمَ صَوْمِ رَمَضَانَ هَلْ يَجِبُ بِمُجَرَّدِ طُلُوعِ الْفَجْرِ عِنْدَ هُمْ أَوْ يُعْتَبَرُ قَدْرُ طُلُوعِهِ بِأَقْرَبِ الْبِلَادِ إلَيْهِمْ فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ فَهُوَ مُشْكِلٌ؛ لِأَنَّهُ يَلْزَمُ عَلَيْهِ تَوَالِي الصَّوْمِ الْقَاتِلِ، أَوْ الْمُضِرِّ إضْرَارًا لَا يُحْتَمَلُ لِعَدَمِ التَّمَكُّنِ مِنْ تَنَاوُلِ مَا يَدْفَعُ ذَلِكَ لِعَدَمِ اسْتِمْرَارِ الْغُرُوبِ زَمَنًا يَسَعُ ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ الثَّانِي فَهُوَ مُشْكِلٌ بِالْحُكْمِ بِانْعِدَامِ وَقْتِ الْعِشَاءِ، بَلْ قِيَاسُ اعْتِبَارِ قَدْرِ طُلُوعِهِ بِأَقْرَبِ الْبِلَادِ بَقَاءُ وَقْتِ الْعِشَاءِ وَوُقُوعُهَا أَدَاءً فِي ذَلِكَ الْقَدْرِ وَهَذَا هُوَ الْمُنَاسِبُ لِمَا تَقَدَّمَ عَنْ بَعْضِهِمْ فِيمَا إذَا لَمْ يَغِبْ الشَّفَقُ فَلْيُتَأَمَّلْ، ثُمَّ رَأَيْت قَوْلَ الشَّارِحِ الْآتِي وَفَرَّعَ عَلَيْهِ الزَّرْكَشِيُّ وَابْنُ الْعِمَادِ إلَخْ وَيُؤْخَذُ مِنْهُ حُكْمُ مَا نَحْنُ فِيهِ.
(قَوْلُهُ: وَلَوْ لَمْ تَغِبْ إلَّا بِقَدْرِ مَا بَيْنَ الْعِشَاءَيْنِ فَأَطْلَقَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ إلَخْ) قِيَاسُ ذَلِكَ أَنَّهُ لَوْ قَصُرَ النَّهَارُ جِدًّا بِأَنْ لَمْ يَزِدْ عَلَى ثَلَاثِ دَرَجٍ مَثَلًا أَنْ يُعْتَبَرَ حَالُهُمْ بِأَقْرَبِ الْبِلَادِ إلَيْهِمْ فَيُعْتَبَرُ أَنْ يَمْضِيَ بَعْدَ الْفَجْرِ مَا تَزُولُ فِيهِ الشَّمْسُ فِي الْأَقْرَبِ فَيَدْخُلُ وَقْتُ الظُّهْرِ وَهَكَذَا لَكِنْ فِي فَتَاوَى السُّيُوطِيّ أَنَّهُ سُئِلَ عَمَّا رُوِيَ فِي حَدِيثِ الدَّجَّالِ مِنْ وَصْفِ آخِرِ أَيَّامِهِ بِالْقِصَرِ جِدًّا وَأَنَّهُ «قِيلَ يَا رَسُولُ اللَّهِ كَيْفَ نُصَلِّي فِي تِلْكَ الْأَيَّامِ الْقِصَارِ قَالَ تُقَدِّرُونَ فِيهَا الصَّلَاةَ كَمَا تُقَدِّرُونَهَا فِي هَذِهِ الْأَيَّامِ الطِّوَالِ، ثُمَّ صَلُّوا» قَالَ السَّائِلُ لِلسُّيُوطِيِّ وَمَا كَيْفِيَّةُ التَّقْدِيرِ فِي الْقَصِيرِ هَلْ هُوَ مَثَلًا إذَا كَانَ الْيَوْمُ مَثَلًا ثَلَاثَ دَرَجٍ فَيَكُونُ حِصَّةُ الصُّبْحِ دَرَجَةً، وَالظُّهْرُ كَذَلِكَ، وَالْعَصْرُ كَذَلِكَ فَأَجَابَ بِقَوْلِهِ أَمَّا كَيْفِيَّةُ التَّقْدِيرِ إذَا كَانَ الْيَوْمُ ثَلَاثَ دَرَجٍ فَلَا يَتَسَاوَى فِيهِ حِصَّةُ الصُّبْحِ، وَالظُّهْرِ، وَالْعَصْرِ، بَلْ تَتَفَاوَتُ عَلَى حَسَبِ تَفَاوُتِهَا الْآنَ فَإِنَّ مِنْ أَوَّلِ وَقْتِ الصُّبْحِ الْآنَ إلَى وَقْتِ الظُّهْرِ أَكْثَرُ مِنْ أَوَّلِ وَقْتِ الظُّهْرِ إلَى وَقْتِ الْعَصْرِ وَمِنْ أَوَّلِ وَقْتِ الظُّهْرِ إلَى وَقْتِ الْعَصْرِ أَكْثَرُ مِنْ أَوَّلِ وَقْتِ الْعَصْرِ إلَى وَقْتِ الْمَغْرِبِ فَيُقَدَّرُ إذْ ذَاكَ عَلَى حَسَبِ هَذَا التَّفَاوُتِ إلَخْ. اهـ. وَقَدْ أَطَالَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهَا وَفُرُوعِهَا بِمَا يَتَعَيَّنُ الْإِحَاطَةُ بِهِ وَتَأَمُّلُهُ.
(قَوْلُهُ: قَدَّمَ أَكْلَهُ إلَخْ) هَذَا وَاضِحٌ إنْ لَمْ نَعْتَبِرْهُمْ بِأَقْرَبِ الْبِلَادِ إلَيْهِمْ فَتَأَمَّلْهُ.
(قَوْلُهُ: وَقُضِيَ الْمَغْرِبُ) يَنْبَغِي، وَالْعِشَاءُ عَلَى قِيَاسِ مَا تَقَدَّمَ.
(قَوْلُهُ: وَجَبَ قَضَاؤُهَا) أَيْ: وَقَضَاءُ الْمَغْرِبِ شَيْخُنَا وَالْبُجَيْرِمِيُّ.
(قَوْلُهُ: عَلَى الْأَوْجَهِ) لَمْ يُبَيِّنْ حُكْمَ صَوْمِ رَمَضَانَ هَلْ يَجِبُ بِمُجَرَّدِ طُلُوعِ الْفَجْرِ عِنْدَ هُمْ، أَوْ يُعْتَبَرُ قَدْرُ طُلُوعِهِ بِأَقْرَبِ الْبِلَادِ إلَيْهِمْ، ثُمَّ رَأَيْت قَوْلَ الشَّارِحِ الْآتِي وَفَرَّعَ عَلَيْهِ الزَّرْكَشِيُّ وَابْنُ الْعِمَادِ إلَخْ وَيُؤْخَذُ مِنْهُ حُكْمُ مَا نَحْنُ فِيهِ سم عَلَى حَجّ أَيْ وَهُوَ أَنَّهُمْ يُقَدِّرُونَ فِي الصَّوْمِ لَيْلَهُمْ بِأَقْرَبِ بَلَدٍ إلَيْهِمْ ع ش بِحَذْفٍ.
(قَوْلُهُ: وَلَوْ لَمْ تَغِبْ إلَخْ) وَلَوْ تَأَخَّرَ غَيْبُوبَتُهُ فِي بَلَدٍ فَوَقْتُ الْعِشَاءِ لِأَهْلِهَا غَيْبُوبَتُهُ عِنْدَ هُمْ وَإِنْ تَأَخَّرَتْ عَنْ غَيْبُوبَتِهِ عِنْدَ غَيْرِهِمْ تَأَخُّرًا كَثِيرًا كَمَا هُوَ مُقْتَضَى كَلَامِهِمْ سم عَلَى الْبَهْجَةِ أَقُولُ وَعَلَى هَذَا فَيَنْبَغِي أَنْ يُعْتَبَرَ كَوْنُ الْبَاقِي مِنْ اللَّيْلِ بَعْدَ غَيْبُوبَةِ الشَّفَقِ عِنْدَ هُمْ زَمَنًا يَسَعُ الْعِشَاءَ وَإِلَّا فَيَنْبَغِي أَنْ يُعْتَبَرَ الشَّفَقُ أَقْرَبِ الْبِلَادِ إلَيْهِمْ خَوْفًا مِنْ فَوَاتِ الْعِشَاءِ ع ش.
(قَوْلُهُ: إنَّهُ يُعْتَبَرُ حَالُهُمْ إلَخْ) تَقَدَّمَ أَنَّ مَحَلَّهُ مَا لَمْ يُؤَدِّ اعْتِبَارُ ذَلِكَ إلَى طُلُوعِ فَجْرِهِمْ وَإِلَّا فَيُنْسَبُ وَقْتُ الْمَغْرِبِ عِنْدَ أُولَئِكَ إلَى لَيْلِهِمْ، ثُمَّ تُعْتَبَرُ هَذِهِ النِّسْبَةُ فِي لَيْلِهِمْ الْقَصِيرِ.
(قَوْلُهُ: إذَا وَسِعَ) الظَّاهِرُ التَّأْنِيثُ.
(قَوْلُهُ: وَقَضَى الْمَغْرِبَ) يَنْبَغِي، وَالْعِشَاءَ عَلَى قِيَاسِ مَا تَقَدَّمَ وَقِيَاسِ مَا مَرَّ عَنْ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ أَنَّهُ لَوْ قَصُرَ النَّهَارُ جِدًّا بِأَنْ لَمْ يَزِدْ عَلَى ثَلَاثِ دَرَجٍ مَثَلًا أَنْ يُعْتَبَرَ حَالُهُمْ بِأَقْرَبِ الْبِلَادِ إلَيْهِمْ فَيُعْتَبَرُ أَنْ يَمْضِيَ بَعْدَ الْفَجْرِ مَا تَزُولُ فِيهِ الشَّمْسُ فِي الْأَقْرَبِ فَيَدْخُلُ وَقْتُ الظُّهْرِ وَهَكَذَا لَكِنْ فِي فَتَاوَى السُّيُوطِيّ بَعْدَ كَلَامٍ مَا نَصُّهُ، وَأَمَّا كَيْفِيَّةُ التَّقْدِيرِ إذَا كَانَ الْيَوْمُ مَثَلًا ثَلَاثَ دَرَجٍ فَلَا يَتَسَاوَى فِيهِ حِصَّةُ الصُّبْحِ، وَالظُّهْرِ، وَالْعَصْرِ، بَلْ تَتَفَاوَتُ عَلَى حَسَبِ تَفَاوُتِهَا الْآنَ فَإِنَّ مِنْ أَوَّلِ وَقْتِ الصُّبْحِ الْآنَ إلَى وَقْتِ الظُّهْرِ أَكْثَرُ مِنْ أَوَّلِ وَقْتِ الظُّهْرِ إلَى وَقْتِ الْعَصْرِ وَمِنْ أَوَّلِ وَقْتِ الظُّهْرِ إلَى أَوَّلِ وَقْتِ الْعَصْرِ أَكْثَرُ مِنْ أَوَّلِ وَقْتِ الْعَصْرِ إلَى وَقْتِ الْمَغْرِبِ فَيُقَدَّرُ إذْ ذَاكَ عَلَى حَسَبِ هَذَا التَّفَاوُتِ إلَخْ. اهـ. وَقَدْ أَطَالَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهَا وَفُرُوعِهَا بِمَا يَتَعَيَّنُ الْإِحَاطَةُ بِهِ وَتَأَمُّلُهُ سم بِحَذْفِ.
(وَالصُّبْحُ) يَدْخُلُ وَقْتُهَا (بِالْفَجْرِ الصَّادِقِ)؛ لِأَنَّ جِبْرِيلَ صَلَّاهَا أَوَّلَ يَوْمٍ حِينَ حَرُمَ الْفِطْرُ عَلَى الصَّائِمِ وَإِنَّمَا يَحْرُمُ بِالصَّادِقِ إجْمَاعًا وَلَا نَظَرَ لِمَنْ شَذَّ فَلَمْ يُحَرِّمْهُ إلَّا بِطُلُوعِ الشَّمْسِ وَمِنْ ثَمَّ رُدَّ وَإِنْ نُقِلَ عَنْ أَجِلَّاءِ صَحَابَةٍ وَتَابِعِينَ بِأَنَّهُ مُخَالِفٌ لِلْإِجْمَاعِ وَإِنْ اسْتَدَلَّ لَهُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَمَحَوْنَا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنَا آيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً} الدَّالُّ عَلَى أَنَّهُ لَا آيَةَ لِلنَّهَارِ إلَّا الشَّمْسُ الْمُؤَيَّدُ بِآيَةٍ: {يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ} الدَّالَّةِ عَلَى أَنَّهُ لَا فَاصِلَ بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّ كُلَّ ذَلِكَ سَفْسَافٌ وَمِنْ ثَمَّ اسْتَبْعَدَ غَيْرُ وَاحِدٍ صِحَّةَ ذَلِكَ عَنْ أَحَدٍ يُعْتَدُّ بِهِ (وَهُوَ) بَيَاضُ شُعَاعِ الشَّمْسِ عِنْدَ قُرْبِهَا مِنْ الْأُفُقِ الشَّرْقِيِّ (الْمُنْتَشِرِ ضَوْءُهُ مُعْتَرِضًا بِالْأُفُقِ) أَيْ نَوَاحِي السَّمَاءِ بِخِلَافِ الْكَاذِبِ وَهُوَ مَا يَبْدُو مُسْتَطِيلًا وَأَعْلَاهُ أَضْوَأُ مِنْ بَاقِيهِ، ثُمَّ تَعْقُبُهُ ظُلْمَةٌ.
تَنْبِيهٌ:
فِي تَحْقِيقِ هَذَا وَكَوْنِهِ مُسْتَطِيلًا كَلَامٌ طَوِيلٌ لِأَهْلِ الْهَيْئَةِ مَبْنِيٌّ عَلَى الْحَدْسِ الْمَبْنِيِّ عَلَى قَوَاعِدِ الْحُكَمَاءِ الْبَاطِلَةِ شَرْعًا مِنْ مَنْعِ الْخَرْقِ، وَالِالْتِئَامِ، أَوْ الَّتِي لَمْ يَشْهَدْ بِصِحَّتِهَا عَلَى أَنَّهُ لَا يَفِي بِبَيَانِ سَبَبِ كَوْنِ أَعْلَاهُ أَضْوَأَ مَعَ أَنَّهُ أَبْعَدُ مِنْ أَسْفَلِهِ مِنْ مُسْتَمَدِّهِ وَهُوَ الشَّمْسُ وَلَا بِبَيَانِ سَبَبِ انْعِدَامِهِ بِالْكُلِّيَّةِ حَتَّى تَعْقُبَهُ ظُلْمَةٌ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْأَئِمَّةُ وَقَدَّرُوهَا بِسَاعَةٍ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ مُرَادَهُمْ مُطْلَقُ الزَّمَنِ؛ لِأَنَّهَا تَطُولُ تَارَةً وَتَقْصُرُ أُخْرَى وَزَعَمَ بَعْضُ أَهْلِ الْهَيْئَةِ عَدَمَ انْعِدَامِهِ وَإِنَّمَا يَتَنَاقَصُ حَتَّى يَنْغَمِرَ فِي الْفَجْرِ الصَّادِقِ وَلَعَلَّهُ بِاعْتِبَارِ التَّقْدِيرِ لَا الْحِسِّ وَفِي خَبَرِ مُسْلِمٍ «لَا يَغُرَّنَّكُمْ أَذَانُ بِلَالٍ وَلَا هَذَا الْعَارِضُ لِعَمُودِ الصُّبْحِ حَتَّى يَسْتَطِيرَ» أَيْ يَنْتَشِرَ ذَلِكَ الْعَمُودُ أَيْ فِي نَوَاحِي الْأُفُقِ وَقَدْ يُؤْخَذُ مِنْ تَسْمِيَةِ الْفَجْرِ الْأَوَّلِ عَارِضًا لِلثَّانِي شَيْئَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ يَعْرِضُ لِلشُّعَاعِ النَّاشِئِ عِنْدَ الْفَجْرِ الثَّانِي انْحِبَاسُ قُرْبِ ظُهُورِهِ كَمَا يُشْعِرُ بِهِ التَّنَفُّسُ فِي قَوْله تَعَالَى: {وَالصُّبْحِ إذَا تَنَفَّسَ} وَعِنْدَ ذَلِكَ الِانْحِبَاسِ يَتَنَفَّسُ مِنْهُ شَيْءٌ مِنْ شِبْهِ كُوَّةٍ، وَالْمُشَاهَدُ فِي الْمُنْحَبِسِ إذَا خَرَجَ بَعْضُهُ دَفْعَةً أَنْ يَكُونَ أَوَّلُهُ أَكْثَرَ مِنْ آخِرِهِ وَهَذَا لِكَوْنِ كَلَامِ الصَّادِقِ قَدْ يَدُلُّ عَلَيْهِ وَلِإِنْبَائِهِ عَنْ سَبَبِ طُولِهِ وَإِضَاءَةِ أَعْلَاهُ وَاخْتِلَافِ زَمَنِهِ وَانْعِدَامِهِ بِالْكُلِّيَّةِ الْمُوَافِقِ لِلْحِسِّ أَوْلَى مِمَّا ذَكَرَهُ أَهْلُ الْهَيْئَةِ الْقَاصِرِ عَنْ كُلِّ ذَلِكَ، ثَانِيهِمَا أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَشَارَ بِالْعَارِضِ إلَى أَنَّ الْمَقْصُودَ بِالذَّاتِ هُوَ الصَّادِقُ وَأَنَّ الْكَاذِبَ إنَّمَا قُصِدَ بِطَرِيقِ الْعَرْضِ لِيَتَنَبَّهَ النَّاسُ بِهِ لِقُرْبِ ذَلِكَ فَيَتَهَيَّئُوا لِيُدْرِكُوا فَضِيلَةَ أَوَّلِ الْوَقْتِ لِاشْتِغَالِهِمْ بِالنَّوْمِ الَّذِي لَوْلَا هَذِهِ الْعَلَامَةُ لَمَنَعَهُمْ إدْرَاكَ أَوَّلِ الْوَقْتِ فَالْحَاصِلُ أَنَّهُ نُورٌ يُبْرِزُهُ اللَّهُ مِنْ ذَلِكَ الشُّعَاعِ، أَوْ يَخْلُقُهُ حِينَئِذٍ عَلَامَةً عَلَى قُرْبِ الصُّبْحِ وَمُخَالِفًا لَهُ فِي الشَّكْلِ لِيَحْصُلَ التَّمْيِيزُ وَتَتَّضِحَ الْعَلَامَةُ الْعَارِضَةُ مِنْ الْمُعَلِّمِ عَلَيْهِ الْمَقْصُودِ فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ فَإِنَّهُ غَرِيبٌ مُهِمٌّ وَفِي حَدِيثٍ عِنْدَ أَحْمَدَ «لَيْسَ الْفَجْرُ الْأَبْيَضَ الْمُسْتَطِيلَ فِي الْأُفُقِ وَلَكِنَّ الْفَجْرَ الْأَحْمَرَ الْمُعْتَرِضَ» وَفِيهِ شَاهِدٌ لِمَا ذَكَرْته آخِرًا وَمِمَّا يُؤَيِّدُ مَا أَشَرْت إلَيْهِ مِنْ الْكُوَّةِ مَا أَخْرَجَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ لِلشَّمْسِ ثَلَاثَمِائَةٍ وَسِتِّينَ كُوَّةً تَطْلُعُ كُلَّ يَوْمٍ مِنْ كُوَّةٍ فَلَا بِدَعَ أَنَّهَا عِنْدَ قُرْبِهَا مِنْ تِلْكَ الْكُوَّةِ يَنْحَبِسُ شُعَاعُهَا، ثُمَّ يَتَنَفَّسُ كَمَا مَرَّ، ثُمَّ رَأَيْت لِلْقَرَافِيِّ الْمَالِكِيِّ وَغَيْرِهِ كَالْأَصْبَحِيِّ مِنْ أَئِمَّتِنَا فِيهِ كَلَامًا يُوَضِّحُهُ وَيُبَيِّنُ صِحَّةَ مَا ذَكَرْته مِنْ الْكُوَّةِ وَيُوَافِقُ اسْتِشْكَالِي لِكَوْنِهِ يَظْهَرُ، ثُمَّ يَغِيبُ وَحَاصِلُهُ وَإِنْ كَانَ فِيهِ طُولٌ لِمَسِّ الْحَاجَةِ إلَيْهِ أَنَّهُ بَيَاضٌ يَطْلُعُ قَبْلَ الْفَجْرِ الصَّادِقِ، ثُمَّ يَذْهَبُ عِنْدَ أَكْثَرِ الْأَبْصَارِ دُونَ الرَّاصِدِ الْمُجْتَهِدِ الْقَوِيِّ النَّظَرِ وَذَكَرَ ابْنُ بَشِيرٍ الْمَالِكِيُّ أَنَّهُ مِنْ نُورِ الشَّمْسِ إذَا قَرُبَتْ مِنْ الْأُفُقِ فَإِذَا ظَهَرَ أَنِسَتْ بِهِ الْأَبْصَارُ فَيَظْهَرُ لَهَا أَنَّهُ غَابَ وَلَيْسَ كَذَلِكَ وَنَقَلَ الْأَصْبَحِيُّ إبْرَاهِيمُ أَنَّ بَعْضَهُمْ ذَكَرَ أَنَّهُ يَذْهَبُ بَعْدَ طُلُوعِهِ وَيَعُودُ مَكَانَهُ لَيْلًا وَهَذَا الْبَعْضُ كَثِيرُونَ مِنْ أَئِمَّتِنَا كَمَا مَرَّ وَأَنَّ أَبَا جَعْفَرٍ الْبَصْرِيَّ بَعْدَ أَنْ عَرَّفَهُ بِأَنَّهُ عِنْدَ بَقَاءِ نَحْوِ سَاعَتَيْنِ يَطْلُعُ مُسْتَطِيلًا إلَى نَحْوِ رُبْعِ السَّمَاءِ كَأَنَّهُ عَمُودٌ وَرُبَّمَا لَمْ يُرَ إذَا كَانَ الْجَوُّ نَقِيًّا شِتَاءً وَأَبْيَنُ مَا يَكُونُ إذَا كَانَ الْجَوُّ كَدِرًا صَيْفًا أَعْلَاهُ دَقِيقٌ وَأَسْفَلُهُ وَاسِعٌ أَيْ وَلَا يُنَافِي هَذَا مَا قَدَّمْته أَنَّ أَعْلَاهُ أَضْوَأُ؛ لِأَنَّ ذَاكَ عِنْدَ أَوَّلِ الطُّلُوعِ وَهَذَا عِنْدَ مَزِيدِ قُرْبِهِ مِنْ الصَّادِقِ وَتَحْتَهُ سَوَادٌ، ثُمَّ بَيَاضٌ، ثُمَّ يَظْهَرُ ضَوْءٌ يُغَشِّي ذَلِكَ كُلَّهُ، ثُمَّ يَعْتَرِضُ: وَرَدَّهُ بِأَنَّهُ رَصَدَهُ نَحْوُ خَمْسِينَ سَنَةً فَلَمْ يَرَهُ غَابَ وَإِنَّمَا يَنْحَدِرُ لِيَلْتَقِيَ مَعَ الْمُعْتَرِضِ فِي السَّوَادِ وَيَصِيرَانِ فَجْرًا وَاحِدًا وَزَعْمُ غَيْبَتِهِ، ثُمَّ عَوْدِهِ وَهْمٌ، أَوْ رَآهُ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْفُصُولِ فَظَنَّهُ يَذْهَبُ وَبَعْضُ الْمُوَقِّتِينَ يَقُولُ هُوَ الْمَجَرَّةُ إذَا كَانَ الْفَجْرُ بِالسُّعُودِ وَيَلْزَمُهُ أَنَّهُ لَا يُوجَدُ إلَّا نَحْوُ شَهْرَيْنِ فِي السَّنَةِ قَالَ الْقَرَافِيُّ وَقَالَ آخَرُونَ هُوَ شُعَاعُ الشَّمْسِ يَخْرُجُ مِنْ طَاقٍ بِجَبَلِ قَافٍ، ثُمَّ أَبْطَلَهُ بِأَنَّ جَبَلَ قَافٍ لَا وُجُودَ لَهُ وَبَرْهَنَ عَلَيْهِ بِمَا يَرُدُّهُ مَا جَاءَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مِنْ طُرُقٍ خَرَّجَهَا الْحُفَّاظُ وَجَمَاعَةٌ مِنْهُمْ مِمَّنْ الْتَزَمُوا تَخْرِيجَ الصَّحِيحِ وَقَوْلُ الصَّحَابِيِّ ذَلِكَ وَنَحْوُهُ مِمَّا لَا مَجَالَ لِلرَّأْيِ فِيهِ حُكْمُهُ حُكْمُ الْمَرْفُوعِ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْهَا «أَنَّ وَرَاءَ أَرْضِنَا بَحْرًا مُحِيطًا، ثُمَّ جَبَلًا يُقَالُ لَهُ قَافٌ، ثُمَّ أَرْضًا، ثُمَّ بَحْرًا، ثُمَّ جَبَلًا وَهَكَذَا حَتَّى عَدَّ سَبْعًا مِنْ كُلٍّ» وَأَخْرَجَ بَعْضُ أُولَئِكَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ أَنَّهُ جَبَلٌ مِنْ زُمُرُّدٍ مُحِيطٌ بِالدُّنْيَا عَلَيْهِ كَنَفَا السَّمَاءِ وَعَنْ مُجَاهِدٍ مِثْلُهُ وَكَمَا انْدَفَعَ بِذَلِكَ قَوْلُهُ لَا وُجُودَ لَهُ انْدَفَعَ قَوْلُهُ: أَثَرُهُ وَلَا يَجُوزُ اعْتِقَادُ مَا لَا دَلِيلَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ إنْ أَرَادَ بِالدَّلِيلِ مُطْلَقَ الْإِمَارَةِ فَهَذَا عَلَيْهِ أَدِلَّةٌ أَوْ الْإِمَارَةُ الْقَطْعِيَّةُ فَهَذَا مِمَّا يَكْفِي فِيهِ الظَّنُّ كَمَا هُوَ جَلِيٌّ، ثُمَّ نَقَلَ أَعْنِي الْقَرَافِيَّ عَنْ أَهْلِ الْهَيْئَةِ أَنَّهُ يَظْهَرُ، ثُمَّ يَخْفَى دَائِمًا، ثُمَّ اسْتَشْكَلَهُ، ثُمَّ أَطَالَ فِي جَوَابِهِ بِمَا لَا يَتَّضِحُ إلَّا لِمَنْ أَتْقَنَ عِلْمَيْ الْهَنْدَسَةِ، وَالْمُنَاظَرَةِ وَأَوْلَى مِنْهُ أَنَّهُ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ النَّظَرِ لِاخْتِلَافِهِ بِاخْتِلَافِ الْفُصُولِ، وَالْكَيْفِيَّاتِ الْعَارِضَةِ لِمَحَلِّهِ قَدْ يَدُقُّ فِي بَعْضِ ذَلِكَ حَتَّى لَا يَكَادَ يُرَى أَصْلًا وَحِينَئِذٍ فَهَذَا عُذْرُ مَنْ عَبَّرَ بِأَنَّهُ يَغِيبُ وَتَعْقُبُهُ ظُلْمَةٌ (وَيَبْقَى حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ) لِخَبَرِ مُسْلِمٍ بِذَلِكَ وَيَكْفِي طُلُوعُ بَعْضِهَا بِخِلَافِ الْغُرُوبِ إلْحَاقًا لِمَا لَمْ يَظْهَرْ بِمَا ظَهَرَ لِقُوَّتِهِ (وَالِاخْتِيَارُ أَنْ لَا تُؤَخَّرَ عَنْ الْإِسْفَارِ) وَهُوَ الْإِضَاءَةُ بِحَيْثُ يُمَيِّزُ النَّاظِرُ الْقَرِيبُ مِنْهُ؛ لِأَنَّ جِبْرِيلَ صَلَّاهَا ثَانِيَ يَوْمٍ كَذَلِكَ وَلَهَا غَيْرُ هَذَا، وَالْأَوْقَاتُ الْأَرْبَعَةُ السَّابِقَةُ وَقْتُ كَرَاهَةٍ مِنْ الْحُمْرَةِ إلَى أَنْ يَبْقَى مَا يَسَعُهَا.
الشَّرْحُ:
قَوْلِ الْمَتْنِ (وَالصُّبْحُ) بِضَمِّ الصَّادِ وَحَكَى كَسْرَهَا فِي اللُّغَةِ أَوَّلَ النَّهَارِ فَلِذَلِكَ سُمِّيَتْ بِهِ هَذِهِ الصَّلَاةُ مُغْنِي.
(قَوْلُهُ: وَمِنْ ثَمَّ) أَيْ: مِنْ أَجْلِ عَدَمِ النَّظَرِ، وَالِاعْتِبَارِ لِذَلِكَ الْقَوْلِ الشَّاذِّ.
(قَوْلُهُ: وَإِنْ اسْتَدَلَّ لَهُ) أَيْ: لِذَلِكَ الْقَوْلِ الشَّاذِّ.
(قَوْلُهُ: الدَّالُّ) أَيْ: هَذَا الْقَوْلُ الْكَرِيمُ أَيْ فِي زَعْمِ الْمُسْتَدِلِّ.
(قَوْلُهُ: الْمُؤَيَّدُ إلَخْ) ظَاهِرُهُ أَنَّهُ صِفَةٌ ثَانِيَةٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى إلَخْ وَلَوْ قَالَ وَأُيِّدَ بِآيَةٍ إلَخْ عَطْفًا عَلَى اسْتَدَلَّ إلَخْ لَكَانَ أَوْلَى (قَوْلُهُ: لِأَنَّ إلَخْ) عِلَّةٌ لِقَوْلِهِ وَلَا نَظَرَ إلَخْ وَمُتَعَلِّقٌ بَعْدَ الِانْبِغَاءِ الْمَفْهُومِ مِنْهُ.
(قَوْلُهُ: صِحَّةُ ذَلِكَ) أَيْ: النَّقْلِ الْمَذْكُورِ، أَوْ الْحَصْرِ الْمَذْكُورِ.
(قَوْلُهُ: سَفْسَافٌ) أَيْ: رَدِيءٌ قَامُوسٌ.